ليلة من ألف ليلة وليلة
فى قصر بشتاك بالحسين
بقلم : إيمان أحمد يوسف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ياما كان اللقاء بيننا عام 1990 بقصر يشتاك ، حيث كان الزجال الكبير العبقرى (كامل حسنى) قد وجهت إليه وإلىَّ أيضاً الدعوة من (الهيئة العامة للكتاب) للمشاركة فى أمسية شعرية فى شهر رمضان الكريم بقصر بشتاك بالحسين بالقاهرة ، كانت ليلة مقمرة ثرية بما فيها من شعراء الأقاليم من بينهم الشاعر الكبير حجاج الباى من أسوان رحمه الله ، ألقى بعض قصائد من ديوان حكاية عروس البحر والشاعر الغنائى حسن رياض والشاعر محمود قرنى والشاعر محمد الحسينى رحمه الله والشاعر الكبير سمير عبد الباقى والشاعر مصطفى الجارحى ومن السادة الحضور الشاعرة أمينة عبد الله والباحثة فاطمة عبد الله والشاعر أشرف صديق وشعراء القاهرة ومجموعة أخرى من المبدعين وشعراء الأقاليم ... قدم الأمسية الشاعر عمر نجم الذى قدم شعراء الأقاليم بحفاوة دافئة وباقة من ورود الكلمات وأمتعنا أيضاً ببعض قصائده من ديوان أنا مش سعيد قبل طبعه بسنوات ، كانت ليلة من ألف ليلة يحكى المكان عن عبق التاريخ بجدرانه الشامخة المطعمة بزخارف ومنمنمات الماضى ونافورة يحيطها الرخام الملون وقطع الفسيفساء المنمقة بجمال أخاذ كأنها تقول (احكى يا شهرزاد) بينما شهريار يمتعها بأشعاره وأزجاله هكذا كانت البداية ، أما نهاية الأمسية جمعنا الحوار مع عمر نجم والأستاذ كامل حسنى وقد أعجب الشاعران بقصائدى من ديوانى المخطوط (تنهبدة صبية) وقال الأستاذ كامل إن مفرداتى جديدة وأحاسيسى طازجة وسأحقق نجاحاً متميزاً وظتهلاة متفردة فى شعر العامية ، ونصحنى عمر نجم بتقديم ديوانى لسلسلة إشراقات أدبية بالهيئة العامة للكتاب وقدمته بالفعل بعد ذلك وطبع عام 1994 ، فكانت هذه الأمسية دفعة قوية لتشجيعى من الحضور أيضاً ، أما الأستاذ الزجال الكبير كامل حسنى الذى أمتعنا بالكثير من قصائده تعيش اسكندرية ـ الحب جميل ـ عشق بن عروس وغيرها .. فلم يستمتع بالنوم فى نهاية ليلة الألف ليلة فعندما عاد بعد مظاهرة الحب مع أدباء الأقاليم وعمر نجم الذى بهر الأستاذ بتقديمه له بحفاوة تليق به ودارت بينهما مشاعر الود والصداقة بعد ذلك مما جعل الأستاذ كامل يكتب له فى أزجال عامود النور قصيدة زجلية بعنوان (حب) ص 106 ... يسـالنى قلبى ساعات ليه بتحب فلان ـ واما تشوفه ... تخلينى أطير ... وأدور وبحبه أفور ... وأزأزأ زى العصفور ... فرحان ـ أقول له ... يا قلبى ... ما تستعجبشى ولا تسألشى ... وان جيت ... ما تقلش الحب ده ليه أو مصدره إيه ... ده سؤال أبدى ... ما حدش رد عليه ـ وجوابه ... مش فى الإمكان ... وغرامك بالمحبوب قسمة ومكتوب ... وعشان كده غصبن عنى با حب ... "عمر نجم" الفنان ... الشاعر ... والساحب ... والإنسان .
هكذا عبر الأستاذ بصدق عن حبه لصداقة الشاعر عمر نجم وعبر بصدق أيضاً فى قصيدة زجلية أخرى عن ألف ليلة الأمسية التى لم ينعم فيها بطعم النوم بالفندق المتواضع المخصص لأدباء الأقاليم (ليلة بشتاك ) ص بديوان عامود النور .
(استضافتنى الهيئة العامة للكتاب لإلقاء بعض قصائدى فى قصر بشتاك بالحسين فى إحدى ليالى شهر رمضان ... وقد اضطرتنى ظروف هذه الضيافة الشاقة أن أسهر طول الليل لأنظم للدكتور سمير سرحان رئيس الهيئة هذه الرسالة المفتوحة) ...
ملعون أبوه الأدب والشعر والأزجال
ساقونى للبهدلة فى مواكب الجهال
وسقونى كاس المر ... مهما عن مرارته اتقال
ما يجيبشى وصفه ... ولا يرضى بهوانه حد
ومرارته فى حلقى ... طول العمر ... مهما طال
حجزولى فى لوكانده أوضه .. شفتها اتخضيت
كأنى على غفلة ـ جوه القبر ـ وانكبيت
يا ريته جانى فى ساعتها عزرائيل يا ريت
قعدت فوق اللى هو سريرى ... أتشاهد
وروحى صعبت عليه من الهوان وبكيت
أوضه عجيبة ... غريبة ... كلها مواسير
غطسانه فى العتمة غرقانه ... وزى البير
ورق حيطانها ما يوصل للدهان بالجير
إسود ... مهيب ... مقطع ... لونه بمبى كئيب
وكل زخرفته ... م الحشرات وم الصراصير
لولا (عمر نجم) فى ليلنا المهيب بان
وأرسله ربنا بلسم لدى الأحزان
ووجوده خفف علينا الهم والأشجان
لكان لنا كلمه تانيه ... نقولها وياكو
حتى ولو وصلتنا الكلمة للومان ...
لقد أنقذنى القدر فى هذه الليلة سألنى الأستاذ كامل حسنى يا بنتى حتنامى فين ... قلت له سأذهب إلى منزل خالى فى شارع زكريا أحمد متفرع من عماد الدين ... سألنى ودا بيت الملحن خليل المصرى أم أخيه سعيد المصرى .. قلت له : يا أستاذ هذا منزل سعيد ، قال لى :/ أنت محظوظة يا شاعرة يا جميلة متربيه فى بيت الأصول والفن والموهبة خليل المصرى دا ملحن كبير ومؤرخ موسيقى دا أول من ساهموا فى صدور قرار قانون حماية حق المؤلف رقم 354 سنة 1954 وابتدع مقام نغمة جديدة باسم أشواق وإيقاع 4 من 4 – و 3 على 4 وابتدع ريتم السمبا فى الخمسينيات وهو أول من قدم أغنية فى صورة إعلان توعية إسمها بشويش الناس نايمين بتعلى الراديو لمين مدتها دقيقة ونصف غناء الفنانة سعاد مكاوى وله أزجال متعددة وأصدر كتابين "أغانى المصرى وليالى المصرى" ولحن أغانى أيضاً للثورة (بإيدينا بنينا وعلينا) غناها عبد اللطبف التلبانى ـ (المصرية) غنتها المطربة عصمت عبد العليم كلمات عبد الفتاح مصطفى ألحان خليل المصرى وأيضاً فى (أعياد القنال) للمطرب إبراهيم حموده كلمات مصطفى عبد الرحمن ألحان خليل المصرى وأغنية (عشنا وشفنا) للمطرب إبراهيم حمودة كلمات كمال حسين ألحان خليل المصرى : لماذا لا تفكرين فى تقديم أعماله فى كتاب وتكتبين عنه ... قلت له أنا فعلاً يا أستاذ فكرت فى ذلك وإن شاء الله قريباً سيصدر وللأسف حتى الآن لم يسعفنى الوقت بطبع هذا الكتاب مع ان المادة الأدبية مكتملة .
هذا هو كامل حسنى الأستاذ والفنان يعطى كل ذى حق حقه ولا ينسى فضل أحد على الفن والأدب ودائم التشجيع للشباب الموهوبين كتب كامل حسنى العبقرى العديد من مقدمات الكتب والأشعار الزجلية منها تقديم لكتاب الأستاذ مصطفى نصار عن مجموعته القصصية (كفر الملايكه) الفائزة بالمركز الأول لعام 1962 للقصة القصيرة .
(لمصطفى نصار فى سبك القصة وتكوينها والإتيان إلى مضمونها من منظور معين طريقة فنية لا يجيدها إلا شاعر فما أقرب قصصه إلى روح القصائد الشعرية وتكوينها ويدفعنى ذلك لأن أسأل نفسى ... بل وأسأل المؤلف أيضاًً ـ أما كان الأولى وهو الرائد فى فن الزجل ، والزجل صفته الرئيسية ـ أن ينظم هذه القصص قصائد بالفعل ، أليس لنا فى بيرم التونسى الخالد مثلاً يحتذى به ، فنصف إنتاج بيرم من القصص الزجلية وقد ترك لنا فى هذا الباب تراثاً خالداً لا ينسى وفتح للزجالين من ورائه آفاقاً جديدة وغرضاً مستحدثاً فى أغراض فن الزجل) .
هذا هو كامل حسنى الزجال العبقرى ، عشق بيرم التونسى وأعماله وكتب عنه دراسة فنية بعنوان (بيرم التونسى والموال عام 1982) وأيضاً (أمسية بيرم التونسى) عرض مسرحى عام 1982 وأيضاً دراسة فنية عن (أبو بثينة فنان الشعب عام 1980) تعددت مواهب كامل حسنى الذى حول ساعات اليوم وعلاقاته بأصدقائه وحبه ودموعه وابتساماته ومعاناته ومعاناة البسطاء وتمرده وقوته وشموخه وضعفه وكبرياءه وسخريته ووطنه ومحنته وصرخته .. كل هذه التقاعلات المجتمعية والإنسانية والبشرية حولها إلى قصائد زجلية للشخوص والفن والفنانين المرأة والعادات والتقاليد والطقوس والشارع والبحر والصخور والتفاعلات الزمانية والمكانية ومرادفاتها حولها وترجمها واستشعرها قصائد زجلية أى قدرة هذه وأى موهبة تشكل سيكولوجية وأيدلوجية هذا العبقرى وتمنحه وسام التميز والقدرة على اللعب بالحروف فى سطور راقصة عروضية على أنغام بحور الزجل وسطور الحياة ولحن الأمواج وغناء الخيال بمصاحبة الواقع كل المحاور كانت تدق فى ناقوس إبداعه ... محور الهم الذاتى والهم الوطنى انصهر مع نبرة التمرد والرقص ، سافر وتجول بفكره بين ركام الزحام والفوضى والسلبيات والإيجابيات والمشاعر والحب والقوانين وجيشان الانفعالات هذا هو كامل حسنى الذى أبدع بصدق واستأثر قلوب محبيه فقالوا عنه :
* (أبو بثسنة ـ مجلة الكواكب):
كامل حسنى ... إبنى الأكبر ... البارع ... الموهوب ... المتمكن ... خليفتى ... فناً وخلقاً .
* (بيرم التونسى ـ الأهرام) :
كامل حسنى .. زجال الإسكندرية شاب سوف يتفوق على من قبله ومن بعده أيضاً
* (رشدى صالح ـ الجمهورية) :
زجل كامل حسنى ... ثمرة ... ناضجة ... شهية .
* (خيرى شلبى ـ الإذاعة) :
كامل حسنى .. مثله مثل الكمشوشى تماماً علم من أعلام الشعر العامى فى ثغر الاسكندرية .
* (ضياء الدين بيبرس ـ الكواكب) :
كامل حسنى ... زجال سكندرى رقيق الحاشية ، سلس العبارة ، فياض الخيال جامح العاطفة كتابه درة خفيفة الظل ، عميقة المضمون .
* (د . حسن ظاظا) :
كامل حسنى فنان يجعل من حسه المرهف رائداً له فى اختيار ما يناسب موضوعه من الصور والأساليب دون ارتباط أو التزام وهو فنان يعرف ما يريد فى الشكل والمضمون .
* (أ د . محمد زكريا عنانى) :
مما يسجل لكامل حسنى أنه امتلك على الدوام طاقة العطاء الخلاق ، والذى تمثل فى تأسيس جمعية أنصار الزجل بالإسكندرية عام 1950 بالاشتراك مع الأديب الشاعر الكبير محمد مكيوى ، ثم كلل هذه الجهود بتأسيس جمعية أدباء الشعب بالإسكندرية عام 1954 وهى لا تزال حية متوهجة ... فإن الكلام عن كامل حسنى يمكن أن يحلق بنا بعيداً ... فهو أحد الذين ألهمهم الله القدرة على التعبير عن خوالج البشر ... وممن أخلصوا لهذه الهبة الربانية فأعطوها حياتهم ... وهبوها كل طاقاتهم ... فى سخاء وأريحية وسماحة ...
* (أ د. فوزى عيسى) :
إن كامل حسنى يعد ظاهرة فى الأدب الشعبى ، فهو إلى جانب ريادته لشعر العامية يتفرد بأزجاله وملاحمه الشعبية ، ويطوع ثقافته الواسعة لهذه القوالب الشعبية ، فيكتب النموذج المتفرد ويعبر عن تجاربه الذاتية بالقدر نفسه من التوهج والصدق الذى يعبر به عن تجارب المجموع ، ويوظف ثقافته الموسيقية فى التجديد العروضى ، فيكتب على الأوزان المولدة والمهملة ويطرق أبواباً وأشكالاً جديدة وهو فى ذلك كله مخلص أشد الإخلاص لفنه وأدبه .
رحم الله أستاذنا الزجال الكبير كامل حسنى ، الغائب الحاضر الذى كتب فى ديوانه أدباء الشعب الصادر عام 1986 عن جمعية أدباء الشعب ...
(الصلاة على الميت الحاضر ـ عقب كل صلاة تقريباً .. يعلو صوت المؤذن حزيناً ... منادياً ... (الصلاة على الميت الحاضر) ... ويندفع إلى الكعبة المشرفة من أحد أبوابها أفراد قلائل يحملون على أكتافهم نعشاً متواضعاً ... وحين يضعون الجسد المسجى أمام باب الملتزم يحتك خشب النعش ببلاط الكعبة ، محدثاً صريراً كالبكاء ، يعلو من سماعات الميكرفون فتتطاير حمامات الكعبة فى قوس دائر يعلوها إلى السماء فى شكل جميل كأنها حرس شرف يصاحب هذه الروح الغريبة ... الذاهبة إلى السماء ...
رحم الله أستاذنا الزجال الكبير العبقرى كامل حسنى
الغائب الحاضر
المصادر :
1 ـ عامود النور (كامل حسنى) 1993 .
2 ـ ديوان أدباء الشعب ـ جمعية أدباء الشعب 1986 .
3 ـ مجلة طيور الحرية ـ عن قصر ثقافة الحرية 2000 الهيئة العامة لقصور الثقافة .
4 ـ كفر الملايكة ـ مجموعة قصصية مصطفى نصار 1998 .