Rainbow Text - http://www.myrainbowtext.com


الشاعرة إيمان أحمد يوسف فى رؤية نقدية فى ديوان الشاعر محجوب الجارحى (أستأذنك ياريس)ـ

بسم الله الرحمن الرحيم
الديوان الأول : للشاعر محجوب الجارحى
(أستأذنك ياريس)ـ
نجد فى مجموعة قصائده :
الرؤى المتجاورة مع أدواتها داخل الديوان مما تشكل عالم القصائد وتطرح فكر وانفعال الشاعر مع تطويع النص للون التعبيرى الذى يعكس ما بداخله من تحدى وتلاقى وفراق وعناق وترحال ومواقف تحفزها قسوة الأيام وهنا يسجل الشاعر مرارة الألم ويتنفس بالكتابة ليعبر إلى ساحات الأمل بعد ظلمات القلق المتخفى فى قوانين البشر وتتمحور موهبته بين التشكيل والتعبير والأداء الصافى المسالم حيناً والمتمرد الساخر أحياناً أخرى بفلسفة تعانق الرغبة والقيد لتكون الموسيقى هى القصيدة وتتشابك الحروف فى ضلوع السطور وتفرض الإحساس كلمات
ـ ونبدأ بقصيدة (كنتى فين):
ليستعير الشاعر الحلم من جمود الواقع وتكون بعض القصائد أشبه بعلامة استفهام ضخمة أمام مفارقات الحياة وغيبيات الوجود ولكنها علامة استفهام ساخرة متمردة تلعب بالرومانسية والواقعية بين صراع الأحداث والحقائق ولقمة العيش والوطن وهنا نجد شمس الحب تستحم فى المدى وترمى أطرافها على شلطئيه حيث يقول الشاعر :
(لما كان القلب نازف والحريق لون الحنين
لما كان الغدر ساكن
والعواطف بين بين
بين أمانى العمر
بين حلم السنين
بين كاسات المر
ومزات الأنين
......
كنتى فين
.....
وقت مذبحة القمر
وانتحار النجمتين
وانهيار المشاعر واحتضارات الحنين
.....
انطويتى جوه خوفك قد إيه الخوف لعين
احتويتى جوه صمتك حب قادر على السنين

ويناشد الشاعر هنا الزمن الجميل والطيبة عنوان الحياة :
(آه يا زمان البراءة والأمانى الطيبين
آه يا زمان الصدق فينك
واحنا فين
آه يا زمان الحب عشناك محرومين
اشترى منك بعمرى لو توافق لحظتين)ـ

وهنا يبكى القلب قبل العين ليت الشباب يعود يوماً ترمح فيه الأمانى والحب إنها صورة مكثفة منسوجة بخيو الود الحريرى والحس المرهف الذى ينكوى بلوعة الآه للزمن العنيد الذى يدون على صفحاته قسوة الطرقات فى شوارع النفس العذبة
إن القصيدة لوحة تشكيلية من الإحساس الخاص والذى يتبعه إسلوب التتابع التراكمى فالحياة يصنعها الحب ولكنها تتأه لفقد لحظاته .

وبين قصيده (مرسى ورق) :
تغرد العصافير وتشتاق الربيع من الألم الدفين الذى يترنح بين المناجاة والاغتراب المتوهج بالمرارة يطرح نفسه على صدر الأيام ... يقول الشاعر :
(مشتاق لمرسى
حتى لو كان ورق
يا غربة المشاوير
يا عمرى اللى انسرق
ليه كل ما نقرب فى لحظة نفترق
يا حب عاشق بين الدموع والأسئلة
دايماً على سكة سفر
رايح وراجع ... ينتظر
ليه كل حاجه حلوه فيك متأجله)ـ

إن الأداء  السلس فى القصائد يأخذنا إلى الإيقاع النغمى الرشيق الممزوج بالدموع ترمح فى سطور العمر إنه ملمح الخوف ودوامات البحر تأخذ شوق المعانى إلى المفترق وعنفوان اللحظة إلى سكة سفر رغم الاحتياح إلى الاتزان والحب الذى يعالج الانكسار فإن الجرح يشاكى الغربة ويعاتب المشاوير والحلم الضائع بدون احتضان ... يهاجر الملاك الذى يلازم الروح فتعيش الروح اليتيمة مسافرة فى الانتظار أين النهار وتظل الأسئلة قابعة فى الفكر والقلب وسطور الحياة إنه شرخ الوجدان إنها الآه الملازمة للشاعر الذى دائماً يحتويه الانتظار رغم التمرد الثائر على جمود الواقع وأيدلوجية الظروف القاسية التى لا تتهاون فى صيد نفوسها وطرحها فى ساحة الفقد والاحتياج للاحتواء .

قصيدة المعاش :
ـ لمحة صارخة تشكل عالم القصيدة وتتوغل فى رؤية الحياة بواقعها تمزج الماضى بالحاضر بين الوصل والموصول إلى جسر نهاية المطاف ولكن الشاعر هنا لا يقبل المسلمات وسطور السيناريو البشرى وقوانين العمل والساقية التى تدور بالإنسان وتدير ظهرها له عند سن المعاش فالشاعر لا يرضخ لتلك التقلبات ويعلن بقوة :
(ياخلق هوه
ما بحبهاش الكلمة دى ما بحبهاش
يعنى إيه كلمة معاش
....
دانته بالذات اللى عاش دانته غربلت الليالى
دانته هننت الأمانى
وابتسمت لحلم لسه ما ابتداش
يا خلق هوه ... إيه معاش ؟
أنا ضى روحى ما انطفاش لسه فى الأنفاس أجل
....
لسه فيه عزم وأمل
لسه فى القلب انتفاضه وانتعاش)ـ

وهنا قلب الشاعر المحامى يجتهد فى طرح القضية الشخصية فى ساحات الإنسانية لتمهله العمر القادم لكى يرمح فى الحلم ويحقق بالأمانى حتى لا يعتقد البعض أن الشاعر قد فقد أجنحته فهو يعلن مع سبق الإصرار إنه ما زال قادراً على التحدى وإضاءة الشموع والكتابة بزغاريد الضى ووشوشات البحر والموج مازال يغرد فيه طير الحب واللهفة واللقاء يداعب الشجر وموسيقى الحياة وورود الفرح ... إن قضية المعاش ظالمة لشاعر مازال يرسم الأحلام على ورق العمر بلون التفاؤل وصوت الربيع فى سحر الخيال رغم المعاش هو كما هو عصفور الأمل والحنين عيون الود شريان السنين مشاعل الرضا بين الربيع والشتاء ...

فى قصيدة أستأذنك ياريس :
عنوان الديوان رتب الشاعر أفكاره ونظمها فى دهاليز العتاب الممزوج بالود خشية منه أن يقع فى بئر الصراخ والعويل بل يكتفى بالتصريح والتلميح وطرح التأثر والتأثير فيقول فى مفردات دالة على معانى القهر الذى يستهدف (الإرادة والطموح
(شكراً على الزيادة
وفرحة البلاد
يامفرق السعادة
ومشبع الولاد
ومريح الغلابه
فى الأياتم الشداد
.....
سبعين جنيه بحالهم
يارب اشوف عدلهم
مشتاق وأستاهلهم
جايين لى فى الميعاد)ـ ... إلى آخر القصيدة

وفى قصيدة طير الخوف :
نجد النزعة الدينية الإيمانية واضحة فى القصيدة
(وعشت سنين كما الفرسان
وغلبت الأمل على الخوف
وعليت للسما البنيان
ماسلمتش لغير الله
ولازلتها للسجان)ـ

وأيضاً هذه النفحة الإيمانية فى قصيدة ثلاث بلحات :
(ندهت القلب م التوهه وطمنته
ودليته على التوبه وحننته
....
ورطبت اللسان بالذكر وسمعته
بيتمنى صيامه
يبقى ألف نهار
ثلاث بلحات
وانا وذنب
على الإفطار)ـ

وفى قصيدة عم لطيف :
(كان بيحن
لزمن الود الإنسانى
زمن الواحد فينا
كان بيحب التانى
كان بيخاف على التانى
فضت روحه
ساعة قرآن الجمعه
للملكوت الربانى)ـ

ونستشعر من القصائد امتلاك الشاعر لأساليب التصوير والتعبير المباشر الواضح البسيط والبعيد عن التكلف فى إطار يعلوه الإيمان والصدق الفنى النابع نت الصدق مع النفس فوق بساط نفسه السوية المؤمنة المعطاءه بطبعها وحالها وأخيراً أتمنى للشاعر محجوب الجارحى المزيد من الإبداع والتطور واستغلال المستحدثات الحالية والتقنيات الجديدة لامتزاجها مع الرؤية والفكر واللغة والأبعاد الفنية للقصائد القادمة مع تمنياتى بالتوفيق إن شاء الله

رؤية نقدية بقلم الشاعرة : (إيمان أحمد يوسف)
عضو اتحاد كتاب مصر
عضو مجلس إدارة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية
نُشرت بمجلة الثقافة الجديدة الصادرة ديسمبر 2009